Monday, April 25, 2011

سبع سنين


لن أبدأ بمقدمات طويلة تحكي لك عن مدي اشتياقي العنيف لك خاصة في هذا الوقت من العام الذي يتصادف فيه دوما ازدحام الأحداث و تراكمها

سأدخل في الموضوع مباشرة.

كانت سنة غريبة و زاخمة بالحركة و الأحداث المفصلية – كانت سنة من السهل جدا وصفها بالناجحة و المليئة بالتحققات و النجاحات علي أكثر من مستوي.

حكيت لك بالعام الماضي عن انتقالي للعمل بالخليج – و كم كنت أشعر بالخجل من هذه المعلومة ، فأنا أعرف و أدرك تماما انك لا تريدني أن أعيد هذا الجزء السخيف من حياة خليجية مصطنعة لا تشبهنا في شيء.

و لكن كما تعرف لم أستطيع أن أخضع لهذه البلد التي يبدو كل شيء فيها مضاد للطبيعة البشرية – أنت تعرفني ، لا أحتمل النظام المنضبط الي درجة انه يبدو أحيانا غير إنساني – ، فبعض العشوائية و بعض الهرجلة تبدو أكثر إنسانية – مثلنا و مثلما تعودنا عليه.

استطعت أن أتوصل الي خيار وسط جعلني أنتقل الي مصر كل شهرين أو ثلاثة ، و يكلفني هذا الكثير من المعاناة التي تعرفها و تحفظها أنت عن ظهر قلب – مصر متعبة و زحمة و مش منظمة ، الجميع يقول دبي أحسن و أسمع السؤال المعتاد انتي بتستحملي مصر ازاي بعد ما عشتي في الخليج.

و أنا لا أرد و لكنني أعرف انه الاشتياق – الاشتياق الي أشيائي التي تمتليء بها مصر، أشيائي مثل الدخان في سماء القاهرة الرمادية و الذي سبب لي و لك أزمات ربوية متكررة، رائحة كورنيش الاسكندرية و القطط و الحيوانات الضالة بالطرقات و الشحاذين و ابتسامات الناس في إشارات المرور و المعاكسات الوقحة و التي أحيانا كثيرة ما تعكس خفة دم و غلب و بساطة عادية لا تجدها الا في السيرك المسمي بالشارع المصري الذي أتوقع في أي لحظة ظهور حاوي أو مهرج يتشقلب في إشارة مرورية طويلة بعض الشيئ .. الجميع يعرف ان مصر بها شيء ساحر من المستحيل تفسيره ، لانها بالورقة و القلم و بالحسابات الدقيقة و العقل و المنطق و التاريخ و الجغرافيا و الفلسفة و جميع المسميات ميتة اكلينيكيا ، و الأمل في إحيائها مثل الأمل في إحياء قلب مصاب بالسكتة الطويلة – صدمات كهربائية طويلة، في الغالب لا تعيد القلب أبدا الي حالته الطبيعية حتي ان عادت خفقاته.

المهم انني مازلت أحن الي هذا الشيء الساحر و أذهب كل فترة قصيرة لإشباعه .. و أتعمد إغراق نفسي في "الزبالة" - كما يسميها معظم المصريون الذين يعيشون في الخليج – حتي يغمرني إحساس انني فعلا في مصر ، فأجتر كل ما أخذت في النهل منه فور عودتي الي الخليج البارد ، هذا الخليج الذي يجعلني أشعر بالمزيد و المزيد من الاغتراب الذي مرضت به منذ ان غادرت أنت .. الاغتراب الذي يجعلني أزداد في العصبية و مهاجمة البشر أجمعين و لا أستثني أحد مطلقا.

عملي بخير ، للمرة الأولي منذ بدأت بالعمل بشكل عام أتمني أن تكون موجودا لتخبرني بتصوراتك و آراءك و نقدك اللاذع و لمعة الفرحة الخجولة في عيونك التي تقول علي استحياء انك فخور بما أفعل حتي ان كان هذا الفخر يتخلله الكثير و الكثير من التريقة و التعليقات اللاذعة التي اعتدت عليها و أمارسها طوال الوقت – بالطبع لن أسلم من بضع كلمات التوبيخ عندما تعرف انني أعمل في مكان يتسم ب "اليمينية" (أكيد زمانك عرفت !!).. لم يكن هناك – للأسف غيرها – ممن يتقنون هذه الصناعة التي أرغب في الاستمرار بها (الصناعة و ليس المكان الذي أعمل به) ، و ان كنت أعدك انني يوما ما سأمتلك مكاني الخاص – الذي لن يتصف باليمينية أبدا – المهم انني بالكاد بدأت أفتخر بما أعمل ، بدأت أشعر انني جديرة بانتمائي اليك أخيرا – لن أعرف ابدا ان كان هذا المكان "كويس" أم "مش كويس" لا أريد أن أعرف أصلا ، الجهل و العمي في هذه الحالة أفضل مائة مرة من إدراك حقائق قد تجبر علي اتخاذ قرارات صعبة – و أنا لا أستطيع ان أتخذ أي نوع من القرارات الآن – ربما في خطابي الثامن لك أكون قد نضجت أكثر قليلا.

سبعة سنوات كاملة !! هل تعرف انها كانت مفاجأة حقيقية هذه المرة؟ سبعة سنوات مرة واحدة ، الإدراك و المواجهة و التصديق ان هذه المدة قد مرت أمر يفوق قدراتي – في أكثر اللحظات المتحققة التي يكتمل فيها عمل بذلت فيه الكثير من الجهد ، أو في اللحظة التي تحتضني فيها فريدة أو في اللحظة التي عرفت فيها أن محمود قد أصبح دكتور أسنان و أنت تركته طالب متهاوي بالثانوية العامة تظهر أنت في خلفية الصورة لأعرف أن هذه السعادة ستظل دائما غير مكتملة لأنك لا تشارك فيها – ستظل اللوحة دائما ناقصة لقطعة البازل الرئيسية التي تفسر هل الصورة حلوة أم ماسخة.

أسافر كثير الآن - توصلت أخيرا ان هذا ما يجعلني أنشغل عن التفكير و عن التدقيق في الكثير من الأمور، و ان كنت مازلت أشتاق لمكان لا أعرف لغته و لا أعرف أحدا به – أنت تعرفني ... أغترب فأبحث عن المزيد من الاغتراب بدلا من محاولة الخروج.

أعمل طوال الوقت ، أسافر ، أري الكثير من الوجوه و الأشخاص .. توقفت تماما – تقريبا عن الكتابة – و وشي منك في الأرض ، و لكني لا أستطيع أن أكتب – أعتقد أن الرواية كانت حالة استثنائية من الرغبة في إخراج شيء يجثم علي النفس – و ربما لا .. لن أعرف الا اذا انتابتني هذه الحالة مجددا .. المهم اني أشتقت اليك و خطابي لك هذه المرة لا يحمل سوي أخبارا تبدو سعيدة – مثل أن محمود قد تخرج و أصبح طبيب أسنان ، أطفال داليا يشرحوا القلب ، أنا زي ما سبتني ، مازلت أعمل بشراسة و أتعامل بشراسة و أبكي بنفس الشراسة – و أفعل هذا بشكل عادي و تلقائي و أوتوماتيكي ، لا يهمني شيء منذ رحلت و لا أتعامل مع أي شيء بأي جدية ، فكل شيء فان مثلما فنيت أنت.

أنا لم أعد طفلة و أدرك الآن و أنا في آخر سنواتي العشرينية أنك لن تعود ، أعرف انك ذهبت الي مكان قد يكون أفضل ، أعرف انك في راحة عظيمة و أن حظك فعلا عظيم أنك لا تشهد ما يحدث في بلادنا فهذا كان كفيل بسنوات من الاكتئاب و الحسرة تضاف الي الهموم القديمة – و نحن جميعا في غني عن هذا .. أتمني أن تكون في وسط أصحابك ، أتمني أن تكون قد تواصلت مع كل من لحقوا بك من أقارب و جيران و رفاق عمر .. أتمني أن تكون ناظرا اليَّ من السماء ، أتمني أن تكون شاعرا باشتياقي اليك ، أتمني أن تكون مطمئنا علي أحوالي و أحوال من يهمك أمورهم .. أتمني أن تكون راضيا و أن تكون وجدت من الأطباء من يستطيعون إصلاح اعتلال قلبك – و أتمني أن تزورني كثيرا في أحلامي كما تزورني أحيانا ، و عندما تفعل ، حاول أن يكون الموقف أكثر منطقية و أكثر وضوحا و أن تمكث معي مدة أطول لو أمكن (أعرف أنك مشغول و لكن معلش ، بعض الوقت لي لن يضر أحد.

عارف؟ عندما أفتقدك بشدة – أتذكر مشهدا واحدا .. في الصباح أنت تفترش الكنبة الزرقاء القطيفة و تمسك الجريدة بيد واحدة و يمتد ذراعك علي ظهر الكنبة ، و أنهض أنا من النوم ، أتجه اليك و أنا نصف مغمضة الأعين لألتصق بك بلا كلام علي نفس الكنبة ، فتبتسم أنت أيضا بدون كلام و يحتضني ذراعك في حنان كوني لا يعوضني عنه شيء – أتذكر هذا المشهد و أغمض عيني حتي تؤلمني ، فربما أستطيع استحضار هذه اللحظة – و عندما يحالفني الحظ أفتح عيني لأجد رائحتك تملأني – فأبتسم و أعود في لحظة واحدة الي سبعة سنوات مضت

Written on Monday, December 13, 2010 at 7:45pm

No comments: