Thursday, March 22, 2012

حاجات جوانية


أجلس على حافة كنبتي الصغيرة منذ أيام أو أسابيع أو لعلها أشهر..
أجلس بلا أي تفاصيل، أتأمل وأرقب ..أفكر في كآبة.. ربما لم أعد بذات الشغف للمجهول مثل ما كنت.. كانوا يقولون عني – وأنت تعرفهم – إني مليش كبير.. أفعل ما أفعل وأذهب الى الأراضي المجهولة والبحار البرتقالية والزراعات المتقشفة والجبال اللينة، أذهب وأجري بكل قوتي الى المجهول .. الترحال هو الغاية، والولع باللحظة التي لا ندري عنها شيء هو صلاتي..
لا أريد أن أستقر، الاستقرار هو موتي، لا أريد أن أعلم ما سيحدث أو أين سأذهب أو من سأجوب معه الشوارع حالمة في لحظة ربما تكون ساذجة من لحظات اقتناص السعادة..
ربما أذهب الى شوارع مرصوفة في عناية كالتي نراها في أفلام الأطفال الفرنسية، ربما أجد نفسي في مدينة تتكلم السواحيلية فأرى قصصا تحدث من حولي ولا أفهم منها حرفا، ربما غدا أشرب القهوة على قمة من قمم شلالات فيكتوريا في مدينة إفريقية والأسود تتجول حولي في أنس وألفة.. ربما أجد نفسي في قصة رومانتيكية حالمة مع شخصا يستحيل لقاؤه.. وأنا أجد نفسي في المستحيلات، وفي قصص الحب البائسة، فهي ممتعة ودرامية ولا يوجد بها استقرار.. لا أريد أن أستقر في الحب، ولا في مدينة بعينها.. لا أريد أن أستقر سياسيا ودراميا وعائليا وكونيا.. الاعتصامات والاضرابات والتظاهرات تفرحني، القصص غير المكتملة تلهمني، الجلسات العائلية المرتبة السعيدة تربكني والأمطار والنوات العاصفة تبعثني من جديد.

أقترب من الثلاثين عاما ومازلت لم أرى الجبال اللينة والبحار البرتقالية.. مازلت لم أصبغ شعري باللون الأزرق مثل بطلة الفيلم التي تشبهني في كراهية الاستقرار.. مازلت لم أقفز من طائرة يجذبني إليها حبل رقيق.. ربما أصل الي الأسرار الكونية أو ينقطع الحبل فأسقط في راحة، مازلت لم أقابل ملوكا ورقيقا وأطفالا، مازلت لم أستلق على ظهري على سطح ثلجي أملس، ربما ينكسر فأغوص في صقيعه أو لا ينكسر فأرى السماء بنجومها كما يجب أن تكون.. لم أرى العالم بعد من قمة جبل ولا من قاع محيط.. لم أشرب القهوة المحلية على مقهي في كل مدينة في العالم.. ولم يمسك بكفي رجل من كل مدينة ليخبرني أنني الوحيدة من نوعي.. لم أعش دراما القصص العالمية ولم أبك في مدن العالم بأجمعها وأنا في لحظة فراق حزينة.

أرقد علي كنبتي منذ أسابيع، أو أشهر.. لا أعرف.. أفعل ما لا أستطيع أن أفعل، أجدني تائهة في مربعات مكررة ومدروسة.. أشعر بالملل.. الملل والاستقرار، أنا مستقرة علي الكنبة، مستقرة في عدم الإحساس بأي ولع أو شغف من أي نوع.. مستقرة بك ومعك.. نتكلم بمواعيد ونتلاقى بمواعيد.. يأت موعد اللقاء فأنهض بصعوبة من مجلسي الطويل لأغير ملابسي وأرتدي شيئا لائقا – ربما تعجبك ملابسي وربما لا.. لست أدري ولكني أفعل هذا بكل ميكانيكية وآلية وثبات.. لأول مرة في أعوامي التي تقترب من الثلاثين أعرف بالضبط ما سيحدث.. سنتلاقى بكل شغف اللحظات الأولي، ثم حضن عتبة الباب المقدس، نأكل، ربما القليل من القنوات التليفزيونية المملة، كلمات قليلة للغاية نقولها، ربما نتعارك قليلا علي تفاصيل هي إنعكاس لتعاستنا.. ثم ننام.

لا أعرف حتى الآن كيف تراني.. هل أنا إنعكاس لما تحب أن تفعل ولا تقوى عليه الآن؟ هل أنا فتاه صحوت يوما لتجد نفسك ممسكا بيدها في لحظة سعادة مقتنصة لتقرر أن تظل ممسكا بمعصمها حتى تمله؟ هل تراني متحققة وناجحة؟ هل أنا فكرة مبهمة بالنسبة إليك؟ هل أثير فضولك؟ هل أثير غرائزك فحسب؟ لا أعرف لماذا تصر على البقاء معي؟ ولا يوجد عندي أدنى فكرة عن اللحظة التي ستقرر فيها أن الرحيل، وربما يكون هذا الشيء الوحيد الغامض في كل ما بيننا من حياة واضحة ومستقرة.

لم أعد أحلم بالجبال الملونة والشلالات الصاخبة، تعودت أن أرى في عينيك أكواني المرتقبة.. لم أعد أبحث عن قصاصات وصور لأماكن غامضة لألصقها علي الحائط حتى يأت يوم أضع حقيبتي على ظهري وأذهب إليها.. لم أعد أحلم؟ ربما لم أعد أذهب بلا قيود ولا تفكير الى أكواني الخاصة وحواديتي وتفاصيل أتخيلها عن بشر لم أقابلهم بعد.. فقط أدخل في دوامة الإعادات والأحداث المتوقعة لأكتفي برؤية كل هذه الأراض والمدن والشخوص في عينيك.. وأعترف أن ما أراه في عينيك يعوضني عن الكثير مما فقدته من خيال، فهام لا يزالا الخيال ذاته.. كل إحباطاتك وهزائمك وتخبطاتك المستمرة تختفي في لحظة رائقة تلمع فيها عينيك وتتحول الي صندوق الدنيا.. أريد أن أأخذك معي لنرى الجبال الملونة الطرية سويا، أريد أن نغمس أيدينا معا في النهر البرتقالي، أريد أن أرقد على ذات السطح فنرى صفحة النجوم الثابتة والمتهاوية في سماء رائقة بلا تلوث أو دخان.. ليس مكانك وليس مكاني ما نفعل هنا.. فنحن لا ننتمي للدوائر المغلقة، لا ننتمي للمواعيد الثابتة والروتين المطلق واللحظات المكررة الخالية من الجموح والتوحش.. نحن لا ننتمي للأريكة التي أصبحت جزءا من أجسادنا.. 

وأنا أرانا طوال الوقت بما تبقى لي من خيال نقتحم أماكن غريبة ونرى شخوصا لا نعرفهم ونبكيهم عند الفراق، أرانا نرقص على نغمات أغان لا نفهمها بلغات غريبة، أرانا في مدن على حدود الدنيا ننتظر أمطارا تبللنا فنتهلل كالأطفال عندما تتبلل وجهونا بقطرات مياه تبعثنا من جفاف الحياه التي نعيشها داخل الكنبة.. ولذا أنتظرك، وأخاف من لحظات اليأس والشقاء والملل .. أخاف أن تتملكنا فنذهب بلا رجعة ونندم على ما لم نفعله.. أفتقدك بشدة.. أفتقد نظرة عينيك وأنت تنظر لي في شغف وفضول، فأراها الآن فقط نظرات خوف وترقب وأحيانا شكوك غير مبررة.

أنت كما أنت.. جامح وشقي وبك كل خيالات الأطفال.. وأنا كما أنا.. مستعدة لبيع روحي لساحر مرتزق يقف على ناصية طريق من أجل تجربة جديدة.. أنا كما أنا وأنت كما أنت لا نمتلك شيئا، من الفضول جئنا وإلى الفضول نعود.. لا يوجد لدينا خطط ونعيش فقط من أجل لحظة سعادة مطلقة أو ضحكة صاخبة أو نظرة تأملية مدققة أو ثانية إنبهار بريئة.. ربما نعيش أجواء من التعاسة نظرا للحظة التاريخية المعينة.. ربما تعيش أنت لحظة مفترق الطرق السخيفة بكل ظلامها وكآبتها .. نعيش بعض الأجواء الفارغة من حقيقتنا.. لا أعرف الى متى نستمر في هذه الطرقات المحددة التي تثير مللنا من الحياه بأكملها ولكني أعرف حقيقة واحدة، وأعرف أنك تعرفها.. سننتهي عشرات المرات، سننتهي في غم أو في ملل أو في صمت أو في صخب... ولكننا في كل مرة سنعود لنبدأ من جديد..

Saturday, March 17, 2012

تفاصيل


الأول
يقف دائما علي الحافة، طويلا شامخا، مبتسما تضحك عينيه في فرحة بادية تختفي فقط حين يدرك أنهم يأتون فقط للسلام ثم يذهبون بلا عودة..

الثاني
يقف في منتصف المجموعة، بسمرته اللامعة وسرعة كلامه الذي لا تكاد تفهمه من الاستعجال، يقف وحوله الكثيرين، ويجلس في منتصف غرفة الجلوس الذهبية التي لا ذوق لها، يجلس في منتصفها صامتا كالمقعد فلا يستطيع أن ينطق إلا عندما ينطلق فجأة مبتعدا ولكنه يعود دوما الي المنتصف باحثا عن ما فقده في الطريق..

الثالث
معلقا كلوحة ثابته التفاصيل تراقب الجميع بلا كلمة واحدة، معلقا فلا تلحظ وجوده إلا ان كنت تفضل الفن الصامت الذي يصرخ بالإبداع في سكون.. وإن لاحظت اللوحة تختفي فجأة تفاصيلها وتبهت إلي أن تحول نظرك عنها..

الرابع
يتكلم كأنه يصرخ، منطلق طوال الوقت، يستمتع بترفيه الآخرين بحكاياته، دائم الكلام فلا يصمت أبدا وتظن أنه فاقد القدرة على الصمت، ويعلو دوما صوته عن ما يحدث حول فلا يكاد يسمع صوت الكون إلا عندما يغفو في المساء..

الخامس
لا رائحة له ولا تستطيع أن تقربه ابدا فهو داخل الفقاعة الكبيرة التي صنعها حوله حتى لا يكتشف الآخرون أنه بلا رائحة..

السادس

خائبا مهزوما يرتدي ثوب الطهارة صباحا ويلطخها عارا ليلا، حاكما على من حوله، فاقدا سعادته في صراع لا ينتهي أبدا، إنجازاته غير مكتملة، حقيقته زائفة ويقف الجميع من على بعد ينظرون الى ملامحه الرائقة ويتمنون بداخلهم أن يصبحوا يوما في مكانه..

السابع
نادما على اختياراته وذنوبه، وصامتا لا يستطيع الحراك، لا يستطيع البوح بالندم، يقضي حياته في تخيل ماذا كان سيحدث إن كان قد إختار حيوات أخرى؟

الثامن
ينتظر فقط، ويعبر مفترقات الطرق في حذر، ينظر وراؤه بعد كل إختيار ليتأكد أن الطريق آمن.. ويظل نادما طوال الطريق علي المفترق الذي لم يختاره..

التاسع
عاديا والعاديون تفاصيلهم لا تستطيع الكتابه اختزالها..

الأخير
سائرا، واقفا أو جالسا أو حتى معلقا على الحائط يسجل ككاميرا فوتوغرافيا تفاصيل كل ما يحدث حوله في كونه وكون الآخرين، خياله لا يهدأ في بناء الأحداث الغير موجودة والقائمة على حفظه للتفاصيل، ذاكرته هي ميكروشيب ذو سعة لا متناهية تحتفظ بالجميع، ألوان وتجاعيد وقبح وانتكاسات، يذهب فقط الى ما يجعله تعيسا، وفي اللحظات الفارة من الأزمنة يستدع الفرح فيقف على "قمة هرم السعادة"، لحظات قليلة يحتفظ بها بقوة ثم يطردها بعيدا، يندم بعدها كثيرا ويهرول الى القاعدة العامة لخيال التعاسة ليعاقب القدر الذي لم يدرك أن السعادة لم تكن يوما تشبهه في شيء.. شعوره المتواصل بالذنب ينطلق كشبكة تخنق من جرؤ واقترب منه في لحظات الفرحة، وتعاسته تستدعيهم لاحتوائه إن أعطاهم الفرصة الثمينة.. هو وحيدا وتعيسا وعظيما.. ولذا هو دائما الأخير الذي لا يأت بعده أحدا..

رومانتيكيات بلهاء



عيناك هي اكتشاف السنة

تضيع اللحظات السعيدة، وتنهار بعض الآمال أو كلها وتظل عيناك هي الاكتشاف الحقيقي للسنة

فحين تنتهي كل اللحظات السعيدة والانتكاسات الغير سعيدة، وعندما نقرر النزول من فوق هرم السعادة، ونري الحياة بكل قبحها وتعاستها وآلامها .. تظل عيناك تطرح رؤية جديدة


لم أعرف ابدا لماذا تطل هذه النظرة المنبهرة من عينيك؟

هل تري العالم بكر

هل تري الشخوص المشوهه كأنهم أطفال يرون الشارع لأول مرة ويرغبون في لمس كل شيء بأصابعهم الصغيرة؟

هل تري السماء صافية؟

هل تري الشتاء كشتاء أفلام أليس في بلاد العجائب؟

هل تري الأشجار خضراء جدا وأوراقها صفراء جدا وزهورها تصل لمنتهي الألوان؟

هل تري أرانب وسناجب يلمع جلدها وتتقافز في فرح وأمان؟

هل تري عصافير ملونة وحمائم تطير في سلام دون أن يصطادها صياد بارع؟

هل ترانا خلف الدخان والسواد والتلوث وصغائر الأمور التي تقتل لمعة أعيننا؟

هل تري أعيننا – نحن المشوهين بالدماء والإنهزامات والثورات المنقوصة – بريئة نقية؟

كيف تري العالم وكيف ترانا؟

كيف تحمل عينيك كل هذه البراءة والانبهار والسلام؟

أري عينيك مغلقة ولاتزال تعكس كل هذا، لا تزال تنظر نظرة الصبي الذي يمسك بمعصم أمه في لهفة وشغف واحتياج تنطلق دون قيد أو خجل

الغريبة أنك عندما تبتسم، عندما تضحك، وعندما يتجهم وجهك .. لا تظهر أي خطوط في محيط عينيك، فتظل عينيك صافية، رائقة، لا مجال لاختلال التعبير البريء الذي ينطلق منهما، حتي عندما تذهب عيناك الي فضاء رحب واسع في تأملات بعيدة أو ذكريات معينة أو حتي أفكار مؤلمة أحيانا، تظل نفس النظرة، نفس الصفاء الأشبه بموجة حانية علي شطآن خالية من الرمال


هذا الكم من التشبيهات الرومانتيكية لا يشبهني ابدا، ولذا سأتوقف عن الكتابة .. ولكن في كل مرة تراني أتطلع الي عينيك في مرآة سيارة أو من وراء دخان التبغ أو حتي بين الكثير والكثير من الوجوه الغير عابئة، كن واثقا أنني أتأكد فقط أنها مازالت كما هي .. ملهمة لحياه أفضل


تمن سنين

لم أكن أريد أن أكتب لك هذه السنة، فلست متأكدة من قدرتي علي تلخيص سنة كتلك الماضية.. أيضا أكره أن تفقد الأشياء معناها بسبب التكرار، ولكني في اللحظة التي وصلت فيها لقرار عدم الكتابة وجدت نفسي أبدأ من جديد..

ثمان سنوات مضت تمنيت في كل يوم أن تكون معي، ولكن هذه السنة كدت أفقد عقلي في كل لحظة أستوعب فيها عدم وجودك لتشهد ما يحدث حولنا..

باختصار وحتى لا أطيل مثل كل سنة، كانت هناك ثورة، بل ثورات، وكان لدينا نصيب منها، لم تنجح وربما نجحت وربما هي في المنتصف والبعض يقولون أنها مستمرة، ولكنها حدثت ولم تكن أنت هنا..

حدثت الكثير من الانكسارات في هذه السنة، كل انتصار صاحبه انكسار، وكل نصر صاحبته هزيمة، وصار الوضع كالمسابقة، من منا أكثر قدرة على رؤية السعادات الصغيرة، ومن منا لا يرى سوي الفشل فقط؟

أراك تسيء الظن بي، ولكني لم أكن بهذا التشاؤم، وظللت أبحث عن إيجابيات الأحداث، ثورية كانت أم عادية، رأيت الانكسارات جميعا بعيني، واقترب مني الكثير منها، كانت سنة عابثة، فقدنا فيها الكثيرين، فقدنا من لا نعرف عنهم سوى أسماء وتفاصيل قد ننساها فور معرفتها.. وفقدنا العزيز والقريب والصديق.. فقدنا الكثيرين، وأنت تعرفني، لا أتحمل الفقد، لا أتحمل الموت ولا أتحمل الغياب.. ولذا كانت هذه السنة اختبار تحمل وليس عندي أدني فكرة ان كنت قد اجتزته أم لا..
كانت هناك لحظات سعيدة، وكان هناك ألم، الكثير من الألم، كان هناك الكثير والكثير من الفراق، وكانت هناك مشاعر سخيفة وموجعة..

انتهت السنة بدراما غير مطلوبة وانتهاء لصداقات قديمة كتب عليها الفشل منذ دهر ولكننا نقاوم مثلما نفعل دوما .. أعرف أنك ستحزن وأنك ستلومني أنني لم أعد أبذل الجهد وانني صرت أتعامل مع النهايات بلا مبالاه وقسوة لم تكن أبدا من صفاتي، وربما تكون صائبا وربما لا .. جميع الاحتمالات مفتوحة كالعادة، وغالبا تكون أنت دوما علي حق.. وأنا صرت قاسية، لا أعبء بالدم، ولا أعبء بلحظات النهاية.. هذا ما فعلته بي السنة، ولكني مازلت أري قدرا بسيطا من الأمل في كل شيء، في كل التفاصيل وفي كل الحكايات..

وحشتني جدا، بالعربي وحشتني جدا، وحتى أظل في سياق ما أكتب أفتقدك بجنون، أفتقد صوتك المتحشرج من الأزمات المتكررة هو يشرح لي ما يحدث برزانة، أفتقد حدتك وإيمانك في لحظات الحماس لشخص أو لموضوع.. أفتقد نظرة الطفولة المندهشة في عينيك وانت تستمع الي خبر جديد .. وكم من أخبار جديدة هذا العام..
أفتقد وجودك حولي، على الرغم من أنك كنت متواجدا طوال الوقت وفي كل اللحظات.. ومرة أخري حتى لا أطيل عليك، 

سأجمع كل التفاصيل في نقاط..
حدثت ثورات في معظم البلاد العربية..
حدثت ثورة – أو شبه ثورة في مصر، لم تنجح ولم تفشل وأعتقد وأنا مرتدية المنظار الوردي أنها مازالت مستمرة..
دربت قفصي الصدري على استنشاق غازات مختلفة وعجيبة وعلى الرغم من كثرة الغازات وتأثيرها المؤلم ولكن لم تصيبني أزمة الربو ولا مرة واحدة في ٢٠١١، هل تعتقد أنني قد تعافيت من الربو المزمن بفعل قنابل الدخان؟
فقدت بعض الأصدقاء وغير نادمة، هي خطوة مؤجلة وأخيرا حدثت..
كسر أحد الأوباش قلبي في بداية العام وكان هذا مؤلما..
ازدادت قائمة أصدقائي بعشرات الأسماء وكان هذا رائعا..
حدثت عشرات التظاهرات والاعتصامات نجح القليل منها وخاب أكثرها، لم يكن هذا مؤسفا لدرجة الإحباط ولكنه كان مخيبا للآمال..

احتل الكثيرون في العالم شوارع وميادين عده، حالمون هم أو غاضبون، لا أعرف ولكن يبدو أننا سنرى العجائب في السنوات القادمة (لا تقلق سوف أحكي لك أول بأول وبالتفصيل).. تركت عملي وأنا ناقمة، والآن أنا بلا عمل.. لماذا تركته؟ هو الملل والتكرار وسخافة البعض اللامتناهية وعدم القدرة على إحتمال إدعاءات ووشوش وكليشيهات سقيمة.. لا تنساني في دعواتك حتى لا أهيم على وجهي في الشوارع من الحاجة..

لا أكتب كثيرا، وأمنع نفسي أحيانا عن الكتابة.. فكتاباتي في الآونة الأخيرة تمتاز بالفراشات الوردية التي تطير في لزوجة حول الكلمات.. هذا حديث آخر سأحكي لك عنه لاحقا.. توجد الكثير من الفراشات الوردية اللزجة في حياتي في الفترة الأخيرة وهي تزداد بشكل يثير الرعب ولم أجرؤ بعد علي رشهم بكافة المبيدات الحشرية..

كانت تلك هي السنة، بدون تفاصيل مملة، بكل الاختزال ومن فوق الوش .. أحكيها إليك وأنا أكاد أكون جالسة على ذات الكنبة بذات الإتكاءة وذات الكلبشة في ذراعيك، بمناسبة الكنبة، هي ذهبت بلا رجعة ولم يعد هناك أي شيء باق يذكرنا بها أو بغيرها من حنين السنوات السابقة..

وقبل أن أذهب لمدة سنة جديدة أعود بعدها لأكتب لك الخطاب التاسع، أقول لك – وباختصار أيضا – انني أتجول منذ أشهر قليلة في عوالم إفتراضية حالمة ومبهجة، عالم يمتليء بأشياء سعيدة وبلهاء، ولم أشعر بالندم بعد ومازلت أخطو في هذه المساحة، ربما أمشي بكل البطء الكوني ولكنني لم أعدو في الاتجاه الآخر بعد..

الإنجاز الحقيقي لهذا العام هو رؤيتي لفيروز على أحد المسارح بلبنان، ضع الثورة جانبا، ضع الربيع العربي على رف بعيد وضع كل ما حدث في ٢٠١١ في درج سحيق، كاد أن يتوقف قلبي عندما رأيتها وتمنيت أن تكون بجانبي عندما قالت في حسرة وينساني الزمان علي سطح الجيران..

أرجو أن تقرأ رسالتي هذه وأنت مستلق في جزيرة تمتليء بالحسناوات وأرجو أن تكون سعيدا ورائقا .. وأرجو ألا تكثر من مشاهدة الأخبار على شاشة قناه الجزيرة .. لا نريد مشاكل القلب القديمة أن تعود مرة أخرى..
ألف قبلة لك وحضن طويل لا ينتهي..

١٥ ديسمبر ٢٠١١
بعد تمن سنين

رغي



المطار والأميال والبوابات الحديدية السخيفة

الأمطار المستمرة والموسيقا وأحيانا الثلج

الثلج أبيض ونظيف وجميل ولكنه بارد

شوارع لا تعرفنا ولا نعرفها، وجوه صفراء وحمراء وسوداء وأعين علي كل شكل ولون

مئات المعاطف والأحذية الملونة والتي تتناسب مع البرودة القارصة

ولسعة البرد تقرص الأطراف وتكاد تصل الي خلايا المخ والأوردة

وبوابات المطار مرة أخري، الكثير والكثير من بطاقات الركوب والوصول والمغادرة، خضراء وزرقاء وبيضاء

والأمتعة دائما ثقيلة، دائما تصل متأخرة، مثلي، تكاد تفتعل الأسباب كي لا تغادر

وأنت، هناك في الدفء بعيدا عن كل هذا الزخم والضوضاء والبرودة،

في عالمك الصغير وتفاصيلك اللامتناهية وعينيك الساحرتين .. أنت هناك

في كل مرة أقف علي إحدي بوابات المغادرة في إحد المطارات الكئيبة أغمض عيناي لحظة

أصبحت عادة

أغلق عيناي كي أراك مبتسما، كي أراك حزينا وأنت تغادر صالة المسافرين، كي أراك تصل إلي يداي تحتضنك مرة أخيرة في أمل ألا تنتهي اللحظة

أغلق عيناي كل يوم لأراك وأنت مستلقيا في وداعة بجانبي، لا تنطق بكلمة حتي يسود السلام الكون

أغلق عيناي كل يوم لأراك ممسكا بيدي أحيانا في رقة وأحيانا بكل القسوة عندما تكون غاضبا

أغلق عيناي دائما – أصبحت عادة – لأراك وأنت قلقا وغير مستعدا لي وربما غير راغبا في الاستمرار

أغلق عيناي الآن ودوما لأري الفضاء وراءك وأنا أحتضنك في سكون لمدة لا تقل عن النصف ساعة

أغلق عيناي لكي أراك في رأسي، أراك ضاحكا ومهموما وقلقا ، غارقا في كوكبك الخاص، تريح رأسك بين يدي وتحلم وأنا أراك دون أن أراك


أغلق عيناي .... أتعلم؟ اكتشف اليوم أنني لم أري الكثير في رحلتي هذا، فأنا لم أفتح عيناي سوي لحظات قليلة، أري في تلك اللحظات أنك علي بعد آلاف الأميال، فأعود وأغلقهم من جديد

20 / 12 / 2011

Sunday, May 22, 2011

صبر مش جميل خالص يا مجلس يا عسكري


من أول لحظة ظهر فيها الجيش في شوارع مصر والناس قررت تتعامل مع عساكره وظباطه ودباباته علي انها اهلها وجيرانها ، و زي العادة حسن النيه والصبر الصبر الصبر كانوا السمة الرئيسية في التعامل مع كل تجاوزاته وتمريره للقتله اللي اعتدوا علي العزل في التحرير وفرجته عالناس وهي بتموت وانتظاره للكفة الأقوي والأكتر عشان ياخد صفها ويركب نجاحها و بعدين الصبر علي عنفه وسحله وتعذيبه للمتظاهرين و تعليقهم من شعورهم وجلدهم وكهربتهم اللي الكل شافها في شهادات شباب زي الورد دخل كله حماس بثورة كان مستعد يدفع روحه فيها وخرج نفسه مكسورة وكرامته حرقاه، و بعدين الصبر علي انتهاكات الحرية وكشف مهين و مزري علي متظاهرات بغرض كسر عنيهم وإثبات نظرية ان البنات عاهرات والشباب شواذ وصيع ومورهمش حاجة وفاكرين نفسهم بني آدمين


الناس اتعاملت بصبر مبالغ فيه مع فض الاعتصامات بالقوة و محاكمات عسكرية لشباب ملهمش دعوة بالعسكرية ووقفة بالساعات الطويلة قدام النيابات والمحاكم وس ٢٨ و س زفت الطين، و زفة وفرح لما يطلعوا بحكم مع إيقاف التنفيذ مع ان دة حقهم علي فكرة مش جميلة المجلس بيعملها فيهم .. صبر طويل ومش جميل علي وزارة داخلية بتقبض من حر مالنا وهي قاعدة في بيوتها مبتتحركش ومجلس مش بيتحرك سنتي عشان يجبرها علي العمل أو حتي عشان يمنع عنهم المرتبات اللي بيلهفوها مننا


صبر شنيع علي دور عبادة بتولع وجيش بمجلسه بيتفرج في صمت وشماتة " مش هي دي الحرية بتاعتكوا، اشربوا بقي " سمعتها عشر مرات في ٣ اسابيع لما كنت عايزة اولع في اللي قالوهالي وفي نفسي وانا بلعن الصبر في سري . صبر وصبر فوقيه لما كل العواصم العربية طلعت مسيرات بشكل طبيعي في ذكري نكبة العرب كلهم والأمن عندنا قرر يقلع المتظاهرين بنطلوناتهم عشان يثبتولهم ان علم اسرائيل مش حينزل من عالسفارة .. صبر يعلي الضغط لما العمال فضلوا سنين يعتصموا ويتظاهروا ويتشقلبوا عشان حقوقهم – اللي مش هبة ولا جميلة من حد – والمجلس اتعامل معاهم بمنطق الارهاب الاقتصادي و فضل يروج أكاذيب عجلة الإنتاج لغاية ما المواطن المصري البسيط بقي عايز يولع في العامل المصري البسيط برضه


صبر علي صبر واحنا بنصرف من جيبنا الخاص علي علاج مبارك في مستشفي سبع نجوم في شرم الشيخ ومراته حرة طليقة ومحدش بيتحاكم اصلا، اصلا الصبر بدأ من وقت ما سبنا مجلس الهنا شهر ونص لغاية ما طلع قرار القبض عليه وهم بيقولولنا واحنا مالنا متكلموا النائب العام وبراءة الأطفال في عنيهم لغاية ما طلع البعيد يكلمنا من قناة سعودية ويحلف انه حينتقم من اللي شتموه


طب دة صبر أكبر من أي صبر لما اتفرجنا علي سرور حر طليق و عزمي يوم في السجن ويوم برة عشان كبير وعيان ،سوزان عندها سكتة وصفوت صبغة شعره حتخلص وأكيد لازم يطلع يجيب غيرها من سويسرا


يااه علي الاستحمال، بلطجة ونظام قديم وفتنة طائفية وطبقية وإعلام حقير ومحاكمات عسكرية وتعذيب وشتيمة وإهانة وقلة أدب من اللي ميسواش واللي ميسواش ومؤامرات وتحالفات .. والمفروض انها ثورة .. طب علي فكرة بقي هي مش ثورة، هي لسة نص ثورة ومش حتبقي ثورة غير لما ننزل يوم ٢٧ مايو ونفضل قاعدين علي قلب مجلس الشوم والندامة لغاية ما يحلوا عن أهالينا ويسيبونا لحال سبيلنا .. دول حتي مفيهمش محمد نجيب واحد يقولهم جوموا بينا نمشي فيقعدوه في البيت.. يا مجلس عسكري ، الصبر عايز صبر لوحده يا مجلس عسكري، امشوا من نفسكوا من غير تهديد ومن غير قلة قيمة أكتر من كدة عشان انتوا دوركوا جاي .. سواقين التاكسيات مش طايقنكوا علي فكرة وحينزلوا يوم ٢٧ مايو ودة ترمومتر الشارع لو انتو متعرفوش .. خلص الصبر وجايين التحرير نعتذر اننا مشينا بعد ما مبارك مشي ومستنيناش لغاية ما مطالبنا تتحقق .. مبقاش فينا نفس نصبر أكتر من كدة .. كفاية صبرنا علي كل اللي قبليكوا

جايين يوم سبعة وعشرين


Monday, April 25, 2011

خارج المعتاد

كليشيه جديد أبدأ به و هو انني أتمني إن لم تمت لتشهد معي أغرب و أجمل وأروع ما حدث علي المستويات جميعا .. أن تكتشف ان لا يوجد مستحيلات و اننا لا نحيا إكلينيكيا مثلما حيينا لسنوات عدة ، كنت أتمني رؤية هذه الفرحة ترقص في ملامحك وتزغرد في هتافك لي ولكل من يهمك أمرهم بالاستمرار و التقدم حتي النهاية، بالتأكيد كان منتهي السعادة هو أن تكون متواجدا لتري ما حدث و لتبكي معي في الميادين فرحا بنصر لم يتخيل حدوثه أحد

مجموعة من اللحظات المتباينة التي لا أعرف ان كانت انتهت أم ليس بعد – و أنت خارج الصورة و داخلها بأقصي الحدود - الحدود التي انكسرت جميعا في هذا الظرف الخارج عن كل المألوف و كل المعتاد

و هناك اعتياد مطلق علي القيد ، ان لم نجد هذا القيد، بحثنا عنه حتي أوجدناه، القيد هنا وهناك، في الحلم و الوعي و اللاوعي .. إلا في تلك اللحظة التي اختفت فيها جميع الأسوار و انطلق كل منا في اتجاه واحد .. روح جديدة حلت بي و بغيري، ليست روح، هي رياح و أمواج دافئة تضرب كل من يقف أمامها، طاقة تدفقت في العروق و الأوردة و كأننا نبعث من موات ، فهل بعثت أنت في تلك اللحظة لتشهد كل ما هو غير مألوف و لا معتاد؟

خلايا و شرايين أدمغتنا تنبض بلا هوادة و الأدرينالين يتدفق في كل سنتيمتر من أجسادنا، الابتسامة لم تفارقنا ، وكما قال أحدنا ، نحن علي قمة هرم السعادة .. و الكون بأكمله يقف بجانبنا وأنتم يا من شهدتم الغليان الأول والقوة والرغبة في الحياة حتي تكملوا ما بدأتوه تقفون في الميادين ذاهلين اننا نفعل ما نفعل و نرتجل كل ما هو خارج عن المألوف و عن المعتاد .. و بالطبع و كما تقول كل القوانين الكونية فقد تكاتلت جميع الأحداث الغير مألوفة لتأخذ مكانها في هذا البورتريه العجيب الذي أراه قطعة فنية لا وجود مثال لها ، تضاهي الرسومات السريالية غرابة و الأنغام الفيروزية دفئا وليالي القاهرة الباردة سحرا ومحبة العاشقين تفردا .. لوحة اندمجت فيها التفاصيل و تجردت تماما من كل الشوائب التي تحولت في لحظة الي نقاط قوة .. لوحة تداخل فيها المكان مع الشخص و توقف عندها الزمن و توسل ألا تنتهي

ونحن – كما تعرف – تعلمنا أن نحيا من بضعة كلمات ، ليس إلا بضعة كلمات و بضعة مواقف وكلها في النهاية ذكريات لي و لمن هو مثلي، ولكن يبدو ان ذاكرتنا لم تعرف النسيان أبدا .. و ما أريد أن أقوله لك باختصار أن الموضوع بأكمله هو بضعة لحظات .. فقط لحظات تقف منفصلة تماما خارج السياق وإن صنعت هذا السياق أحيانا .. لحظات بعينها أتذكرها بكل قوة الذاكرة الممكنة و أحفظها توقيتا و موقفا و شخوصا و أشياءا .. لحظات قلبت الموازين وانتظرتها أنت وانتظرتها أنا و انتظرها الكثير والكثير من هؤلاء الذين يشبهوننا والذين لا يمتون الينا بصلة .. هي لحظات يا أبي كان معظمها صادما و غريبا و غير متوقعا و مبهجا و مقلقا و رائعا و غير مألوفا و بالتأكيد غير معتادا أبدا .. و أنا لا أكتب لك كي أبكي موتك قبل أن تشهد هذه اللحظات ، ولا أكتب لك لأحكي عنها وعنا، أنت تعرفني، أكتب حين أخاف و حين أحزن و حين أشعر بالخطر، و الآن أسطر هذه الكلمات و هذه المشاعر تحتل قلبي فلا أستطيع حتي أن أنام و أكاد أفقد عقلي من الأرق و يسألني الجميع طوال الوقت " مالك " و لا أحد يستوعب بالطبع " مالي " سواك .. أخشي أن اللحظات قد بدأت في الانتهاء ، و أشعر انني استهلكتها في وقت قليل .. و ربما إن عاد الزمن لقسمتها علي بضع سنوات حتي لا تنفذ سريعا و أعود مرة أخري الي المألوف و الي المعتاد

Written on Monday, March 7, 2011 at 2:00am