Monday, April 25, 2011

جواب عالسريع

أبي العزيز

أكتب اليك في الذكري السادسة لرحيلك، و هذا فقط لأضعك في قلب الأحداث و حتي لا تشعر انني لا أشاركك ما يحدث، و هذا أيضا لاني أعرفك و أعرف انك أحيانا تشعر بالبارانويا عندما أكف عن الرغي المتواصل معك
لا تتضايق، فانقطاعي عن الكلام معك في الفترة السابقة كان سببه انني لا أريد ان أتصف بالجنون و باني طفلة لاتزال تدبدب علي الأرض و هي تصرخ في عنف انا عايزة بابا

المهم، أولا بالطبع و قبل أي شيء، أفتقدك بعنف و انت تعرف هذا، الحياه كما تقول كل الاكليشيهات المعتادة لازالت خاوية و غير متزنة منذ رحلت
و انا لازلت أطرح ذات السؤال العدمي العبيط الذي لا يفضي الي شيء، هو انت ليه كان لازم تموت؟ حتي الآن لا أفهم لماذا لم تخلد بشكل مادي، فأنت مخلد بالطبع في ذاكرة الجميع و سأحكي لك باستفاضة عن تلك النقطة لاحقا، و لكني أفتقد وجودك المادي بجنون و خصيصا في هذه الأيام التي تنعدم بها الرؤية و لا أجدك لتسخر مني بطريقتك المعتادة ثم تحل كل المشاكل بدفء حضن طويل يزيل كل العتمة
أفتقدك و لن أطيل في هذه النقطة لانك تعرفها و تشعر بها أكثر مني فطالما ما حللت إحساسي قبل ان أشعر به

النقطة الثانية هي أحوالي، تركت عملي القديم منذ فترة و أفلست قليلا و عدت للحياة في شقتنا القديمة لبضعة أشهر، و انت كنت معي و تعرف كم كانت الحياه قاسية وقتها، و لكني استطعت المضي فيها و تغلبت علي هذه المشاق القليلة ببعض من الذكريات

في هذه الفترة انتهيت من كتابة أول رواية لي، هل تتذكرها، مازلت أمتلك بعض تعليقاتك علي الصفحات الأولي منها و التي تخلصت من معظمها، المهم انني انتهيت منها بل و نشرتها، انت تعرف كم هذا مرعب، فأنا خائفة ان أفشل فأنسب فشلي اليك و خائفة أن أنجح فيقولون انني نجحت بسبب اسمك الذي – و ياللعجب – مازال يتذكره الجميع – و هذا تأكيدا لنقطة سابقة. كتبت تلك الرواية و انتهيت منها و نشرتها أيضا و هذا تحدي سافر لكل المخاوف القديمة و الجديدة معا و بكيت حتي كدت أفقد البصر لانك لست موجود لتواصل دعمك لي، دعمك الساخر الحنون الذي لم أجد مثله حتي الآن في إنسان و لا أتوقع أن أجده و لا أبحث عنه أصلا

أصدقاءك كانوا في قمة التواصل و التشجيع، تعاملوا معي بالطبع بصفتي ابنتك و بدأت أسمع كلمات تشبه بنت الوز العوام و من شابهت آباها فما ظلمت...الخ و أيضا أعطوني بعض النصائح و ترغرغت عينيهم بالدموع و لم يقصروا ابدا في الانتهاء من الرواية بين ليلة و ضحاها من أجلك و من أجل ذكراك

نسيت أن أقول لك ان جميع من قرأ الرواية " قفش " انها سيرة ذاتية، و هذا بالطبع بسببك، فانا لم أستطيع مقاومة الكتابة عنك و انت الكائن الأسطوري في حياتي التافهة، و علي الرغم من ان الكثير من الأحداث ليست سيرة ذاتية الا ان كلامي عنك بوضوح وبلا أي نية لإخفاء انك أبي جعلت الجميع يصنف الرواية كسيرة ذاتية، طبعا انت تعرف انها ليست سيرة ذاتية و انها مجرد استخدام لبعض الوقائع و الأشخاص روائيا ، أعرف أيضا انك طبعا لن تتهمني بشيء و انك فخور بي و ان أسوأ ما حدث يوم ظهرت الرواية انك لم تكن موجود لتعطيني نظرة ساخرة دامعة و حضن طويل لا يفلتني ان ولعت الدنيا

استحضر الآن أيامك الأخيرة و ضمة يدك ليدي علي فراش الموت – التي وصفها الأطباء انها انقباضات عضلية و التي أثق انها لفتة دعم و تشجيع أخيرة منك – أستحضر الأيام التي تركتني فيها و أشعر انها كالبارحة في قتامتها و أشعر انها منذ ألف عام لغيابك. أستحضر لحظة الموت و الدفن و الفراق و الوداع الأخير الذي ودعته لك قبل ان أفارق قبرك، أستحضر قبلتي لك في ثلاجة المستشفي و انا أشعر ان وجهك ينبض بالحياه و ان الجميع يخدعني، أستحضر تخيلاتي لك و انت تمزح في القبر قبل ان أفارقك و تعزيني موتك. أستحضرك و انت تذهب بعيدا و انا أري نفسي في دوامة كبيرة من العدم لازلت أدور فيها حتي الآن

مازلت كما انا بالمناسبة، أسخر و أهاجم و أمارس العصبية و السخرية بأشكالها التي لا تعد، مازلت أنتظر و لا أبدأ بالفعل ابدا، مازلت كما تركتني، بحطة إيدك و الله، العقد و المركبات كما هي و زاد عليها فقط عدم الأمان الذي أمارسه في حماس و دأب مع الجميع و مازلت أستمتع بوراثة خطاياك و أخطاءك و مازلت أستمتع بلومك علي أي شيء يحدث

كدت أنسي، تركت مصر منذ بضعة أشهر نازحة للخليج، و أقصد هنا جنة الله في الأرض دبي، و لكن انت تعرفني، أولد فتعود انت من الكويت بلا مليم، أسافر الي الجنة فتفلس و تغرق في شبر ميه، أتيت لأحاول الخروج من الدوامة التي تركتني فيها، أتيت من أجل لقمة عيش جديدة و عتبة جديدة و هروبا من الكثير من الأشياء التي تحفظها انت عن ظهر قلب، و لكنها للأسف أفلست و غرقت البارحة في ساعات من الأمطار الغير محسوبة، و مازلت مصرة علي البقاء حتي أجيب درفها. المهم اني أتيت، و بالطبع أربط قدماي كل يوم لكي لا أركض للمطار عائدة للوطن.. بالمناسبة لم يتغير شيئا فيما يخص الأخير، لايزال يختزل كل معانيه و قيمه في مباراه كرة قدم عجماء و بضعة عنواين صحف صفراء. تذكرتك يوم مباراه مصر و الجزائر ، تذكرتك يوم هبطت عدالة السماء علي استاد باليرمو و علي كنبة بيتنا القديم التي قفزت من فوقها و تحشرج صوتك من الصراخ و التشجيع بعد مباراه كاملة من السباب المتصل، لا تقلق ابنتك موجودة و تؤدي دورك ببراعة و اقتناع كامل و أفرغت شحنة سباب محترمة (أو غير محترمة) عندما فشلنا في تسديد هدف يتيم يبل ريقنا
الجميع بخير و يبعثون لك بالتحية، أطلت في الحديث و لهذا انا أسفة، و لكنك تعرفني ان بدأت في الحوار معك لا أنتهي ابدا و ان كمموا فمي

أتعشم ردك سريعا، و أعرف اني سأجده كالبرق مثل العادة، أعرف ان قدرتك علي الكتابة علي الكيبورد ليست أفضل شيء، و لكنك من الممكن ان تحاول من أجلي.. كنت حنسي، ابعث بالسلام للأستاذ محمد صالح، جالك من ثلاثة أسابيع، اتقابلتوا ولا لسة؟

قبلات لا حصر لها و حضن واحد طويل جدا لا ينتهي
Written on Monday, December 14, 2009 at 2:38am

No comments: