Saturday, March 17, 2012

تمن سنين

لم أكن أريد أن أكتب لك هذه السنة، فلست متأكدة من قدرتي علي تلخيص سنة كتلك الماضية.. أيضا أكره أن تفقد الأشياء معناها بسبب التكرار، ولكني في اللحظة التي وصلت فيها لقرار عدم الكتابة وجدت نفسي أبدأ من جديد..

ثمان سنوات مضت تمنيت في كل يوم أن تكون معي، ولكن هذه السنة كدت أفقد عقلي في كل لحظة أستوعب فيها عدم وجودك لتشهد ما يحدث حولنا..

باختصار وحتى لا أطيل مثل كل سنة، كانت هناك ثورة، بل ثورات، وكان لدينا نصيب منها، لم تنجح وربما نجحت وربما هي في المنتصف والبعض يقولون أنها مستمرة، ولكنها حدثت ولم تكن أنت هنا..

حدثت الكثير من الانكسارات في هذه السنة، كل انتصار صاحبه انكسار، وكل نصر صاحبته هزيمة، وصار الوضع كالمسابقة، من منا أكثر قدرة على رؤية السعادات الصغيرة، ومن منا لا يرى سوي الفشل فقط؟

أراك تسيء الظن بي، ولكني لم أكن بهذا التشاؤم، وظللت أبحث عن إيجابيات الأحداث، ثورية كانت أم عادية، رأيت الانكسارات جميعا بعيني، واقترب مني الكثير منها، كانت سنة عابثة، فقدنا فيها الكثيرين، فقدنا من لا نعرف عنهم سوى أسماء وتفاصيل قد ننساها فور معرفتها.. وفقدنا العزيز والقريب والصديق.. فقدنا الكثيرين، وأنت تعرفني، لا أتحمل الفقد، لا أتحمل الموت ولا أتحمل الغياب.. ولذا كانت هذه السنة اختبار تحمل وليس عندي أدني فكرة ان كنت قد اجتزته أم لا..
كانت هناك لحظات سعيدة، وكان هناك ألم، الكثير من الألم، كان هناك الكثير والكثير من الفراق، وكانت هناك مشاعر سخيفة وموجعة..

انتهت السنة بدراما غير مطلوبة وانتهاء لصداقات قديمة كتب عليها الفشل منذ دهر ولكننا نقاوم مثلما نفعل دوما .. أعرف أنك ستحزن وأنك ستلومني أنني لم أعد أبذل الجهد وانني صرت أتعامل مع النهايات بلا مبالاه وقسوة لم تكن أبدا من صفاتي، وربما تكون صائبا وربما لا .. جميع الاحتمالات مفتوحة كالعادة، وغالبا تكون أنت دوما علي حق.. وأنا صرت قاسية، لا أعبء بالدم، ولا أعبء بلحظات النهاية.. هذا ما فعلته بي السنة، ولكني مازلت أري قدرا بسيطا من الأمل في كل شيء، في كل التفاصيل وفي كل الحكايات..

وحشتني جدا، بالعربي وحشتني جدا، وحتى أظل في سياق ما أكتب أفتقدك بجنون، أفتقد صوتك المتحشرج من الأزمات المتكررة هو يشرح لي ما يحدث برزانة، أفتقد حدتك وإيمانك في لحظات الحماس لشخص أو لموضوع.. أفتقد نظرة الطفولة المندهشة في عينيك وانت تستمع الي خبر جديد .. وكم من أخبار جديدة هذا العام..
أفتقد وجودك حولي، على الرغم من أنك كنت متواجدا طوال الوقت وفي كل اللحظات.. ومرة أخري حتى لا أطيل عليك، 

سأجمع كل التفاصيل في نقاط..
حدثت ثورات في معظم البلاد العربية..
حدثت ثورة – أو شبه ثورة في مصر، لم تنجح ولم تفشل وأعتقد وأنا مرتدية المنظار الوردي أنها مازالت مستمرة..
دربت قفصي الصدري على استنشاق غازات مختلفة وعجيبة وعلى الرغم من كثرة الغازات وتأثيرها المؤلم ولكن لم تصيبني أزمة الربو ولا مرة واحدة في ٢٠١١، هل تعتقد أنني قد تعافيت من الربو المزمن بفعل قنابل الدخان؟
فقدت بعض الأصدقاء وغير نادمة، هي خطوة مؤجلة وأخيرا حدثت..
كسر أحد الأوباش قلبي في بداية العام وكان هذا مؤلما..
ازدادت قائمة أصدقائي بعشرات الأسماء وكان هذا رائعا..
حدثت عشرات التظاهرات والاعتصامات نجح القليل منها وخاب أكثرها، لم يكن هذا مؤسفا لدرجة الإحباط ولكنه كان مخيبا للآمال..

احتل الكثيرون في العالم شوارع وميادين عده، حالمون هم أو غاضبون، لا أعرف ولكن يبدو أننا سنرى العجائب في السنوات القادمة (لا تقلق سوف أحكي لك أول بأول وبالتفصيل).. تركت عملي وأنا ناقمة، والآن أنا بلا عمل.. لماذا تركته؟ هو الملل والتكرار وسخافة البعض اللامتناهية وعدم القدرة على إحتمال إدعاءات ووشوش وكليشيهات سقيمة.. لا تنساني في دعواتك حتى لا أهيم على وجهي في الشوارع من الحاجة..

لا أكتب كثيرا، وأمنع نفسي أحيانا عن الكتابة.. فكتاباتي في الآونة الأخيرة تمتاز بالفراشات الوردية التي تطير في لزوجة حول الكلمات.. هذا حديث آخر سأحكي لك عنه لاحقا.. توجد الكثير من الفراشات الوردية اللزجة في حياتي في الفترة الأخيرة وهي تزداد بشكل يثير الرعب ولم أجرؤ بعد علي رشهم بكافة المبيدات الحشرية..

كانت تلك هي السنة، بدون تفاصيل مملة، بكل الاختزال ومن فوق الوش .. أحكيها إليك وأنا أكاد أكون جالسة على ذات الكنبة بذات الإتكاءة وذات الكلبشة في ذراعيك، بمناسبة الكنبة، هي ذهبت بلا رجعة ولم يعد هناك أي شيء باق يذكرنا بها أو بغيرها من حنين السنوات السابقة..

وقبل أن أذهب لمدة سنة جديدة أعود بعدها لأكتب لك الخطاب التاسع، أقول لك – وباختصار أيضا – انني أتجول منذ أشهر قليلة في عوالم إفتراضية حالمة ومبهجة، عالم يمتليء بأشياء سعيدة وبلهاء، ولم أشعر بالندم بعد ومازلت أخطو في هذه المساحة، ربما أمشي بكل البطء الكوني ولكنني لم أعدو في الاتجاه الآخر بعد..

الإنجاز الحقيقي لهذا العام هو رؤيتي لفيروز على أحد المسارح بلبنان، ضع الثورة جانبا، ضع الربيع العربي على رف بعيد وضع كل ما حدث في ٢٠١١ في درج سحيق، كاد أن يتوقف قلبي عندما رأيتها وتمنيت أن تكون بجانبي عندما قالت في حسرة وينساني الزمان علي سطح الجيران..

أرجو أن تقرأ رسالتي هذه وأنت مستلق في جزيرة تمتليء بالحسناوات وأرجو أن تكون سعيدا ورائقا .. وأرجو ألا تكثر من مشاهدة الأخبار على شاشة قناه الجزيرة .. لا نريد مشاكل القلب القديمة أن تعود مرة أخرى..
ألف قبلة لك وحضن طويل لا ينتهي..

١٥ ديسمبر ٢٠١١
بعد تمن سنين

No comments: