Thursday, March 22, 2012

حاجات جوانية


أجلس على حافة كنبتي الصغيرة منذ أيام أو أسابيع أو لعلها أشهر..
أجلس بلا أي تفاصيل، أتأمل وأرقب ..أفكر في كآبة.. ربما لم أعد بذات الشغف للمجهول مثل ما كنت.. كانوا يقولون عني – وأنت تعرفهم – إني مليش كبير.. أفعل ما أفعل وأذهب الى الأراضي المجهولة والبحار البرتقالية والزراعات المتقشفة والجبال اللينة، أذهب وأجري بكل قوتي الى المجهول .. الترحال هو الغاية، والولع باللحظة التي لا ندري عنها شيء هو صلاتي..
لا أريد أن أستقر، الاستقرار هو موتي، لا أريد أن أعلم ما سيحدث أو أين سأذهب أو من سأجوب معه الشوارع حالمة في لحظة ربما تكون ساذجة من لحظات اقتناص السعادة..
ربما أذهب الى شوارع مرصوفة في عناية كالتي نراها في أفلام الأطفال الفرنسية، ربما أجد نفسي في مدينة تتكلم السواحيلية فأرى قصصا تحدث من حولي ولا أفهم منها حرفا، ربما غدا أشرب القهوة على قمة من قمم شلالات فيكتوريا في مدينة إفريقية والأسود تتجول حولي في أنس وألفة.. ربما أجد نفسي في قصة رومانتيكية حالمة مع شخصا يستحيل لقاؤه.. وأنا أجد نفسي في المستحيلات، وفي قصص الحب البائسة، فهي ممتعة ودرامية ولا يوجد بها استقرار.. لا أريد أن أستقر في الحب، ولا في مدينة بعينها.. لا أريد أن أستقر سياسيا ودراميا وعائليا وكونيا.. الاعتصامات والاضرابات والتظاهرات تفرحني، القصص غير المكتملة تلهمني، الجلسات العائلية المرتبة السعيدة تربكني والأمطار والنوات العاصفة تبعثني من جديد.

أقترب من الثلاثين عاما ومازلت لم أرى الجبال اللينة والبحار البرتقالية.. مازلت لم أصبغ شعري باللون الأزرق مثل بطلة الفيلم التي تشبهني في كراهية الاستقرار.. مازلت لم أقفز من طائرة يجذبني إليها حبل رقيق.. ربما أصل الي الأسرار الكونية أو ينقطع الحبل فأسقط في راحة، مازلت لم أقابل ملوكا ورقيقا وأطفالا، مازلت لم أستلق على ظهري على سطح ثلجي أملس، ربما ينكسر فأغوص في صقيعه أو لا ينكسر فأرى السماء بنجومها كما يجب أن تكون.. لم أرى العالم بعد من قمة جبل ولا من قاع محيط.. لم أشرب القهوة المحلية على مقهي في كل مدينة في العالم.. ولم يمسك بكفي رجل من كل مدينة ليخبرني أنني الوحيدة من نوعي.. لم أعش دراما القصص العالمية ولم أبك في مدن العالم بأجمعها وأنا في لحظة فراق حزينة.

أرقد علي كنبتي منذ أسابيع، أو أشهر.. لا أعرف.. أفعل ما لا أستطيع أن أفعل، أجدني تائهة في مربعات مكررة ومدروسة.. أشعر بالملل.. الملل والاستقرار، أنا مستقرة علي الكنبة، مستقرة في عدم الإحساس بأي ولع أو شغف من أي نوع.. مستقرة بك ومعك.. نتكلم بمواعيد ونتلاقى بمواعيد.. يأت موعد اللقاء فأنهض بصعوبة من مجلسي الطويل لأغير ملابسي وأرتدي شيئا لائقا – ربما تعجبك ملابسي وربما لا.. لست أدري ولكني أفعل هذا بكل ميكانيكية وآلية وثبات.. لأول مرة في أعوامي التي تقترب من الثلاثين أعرف بالضبط ما سيحدث.. سنتلاقى بكل شغف اللحظات الأولي، ثم حضن عتبة الباب المقدس، نأكل، ربما القليل من القنوات التليفزيونية المملة، كلمات قليلة للغاية نقولها، ربما نتعارك قليلا علي تفاصيل هي إنعكاس لتعاستنا.. ثم ننام.

لا أعرف حتى الآن كيف تراني.. هل أنا إنعكاس لما تحب أن تفعل ولا تقوى عليه الآن؟ هل أنا فتاه صحوت يوما لتجد نفسك ممسكا بيدها في لحظة سعادة مقتنصة لتقرر أن تظل ممسكا بمعصمها حتى تمله؟ هل تراني متحققة وناجحة؟ هل أنا فكرة مبهمة بالنسبة إليك؟ هل أثير فضولك؟ هل أثير غرائزك فحسب؟ لا أعرف لماذا تصر على البقاء معي؟ ولا يوجد عندي أدنى فكرة عن اللحظة التي ستقرر فيها أن الرحيل، وربما يكون هذا الشيء الوحيد الغامض في كل ما بيننا من حياة واضحة ومستقرة.

لم أعد أحلم بالجبال الملونة والشلالات الصاخبة، تعودت أن أرى في عينيك أكواني المرتقبة.. لم أعد أبحث عن قصاصات وصور لأماكن غامضة لألصقها علي الحائط حتى يأت يوم أضع حقيبتي على ظهري وأذهب إليها.. لم أعد أحلم؟ ربما لم أعد أذهب بلا قيود ولا تفكير الى أكواني الخاصة وحواديتي وتفاصيل أتخيلها عن بشر لم أقابلهم بعد.. فقط أدخل في دوامة الإعادات والأحداث المتوقعة لأكتفي برؤية كل هذه الأراض والمدن والشخوص في عينيك.. وأعترف أن ما أراه في عينيك يعوضني عن الكثير مما فقدته من خيال، فهام لا يزالا الخيال ذاته.. كل إحباطاتك وهزائمك وتخبطاتك المستمرة تختفي في لحظة رائقة تلمع فيها عينيك وتتحول الي صندوق الدنيا.. أريد أن أأخذك معي لنرى الجبال الملونة الطرية سويا، أريد أن نغمس أيدينا معا في النهر البرتقالي، أريد أن أرقد على ذات السطح فنرى صفحة النجوم الثابتة والمتهاوية في سماء رائقة بلا تلوث أو دخان.. ليس مكانك وليس مكاني ما نفعل هنا.. فنحن لا ننتمي للدوائر المغلقة، لا ننتمي للمواعيد الثابتة والروتين المطلق واللحظات المكررة الخالية من الجموح والتوحش.. نحن لا ننتمي للأريكة التي أصبحت جزءا من أجسادنا.. 

وأنا أرانا طوال الوقت بما تبقى لي من خيال نقتحم أماكن غريبة ونرى شخوصا لا نعرفهم ونبكيهم عند الفراق، أرانا نرقص على نغمات أغان لا نفهمها بلغات غريبة، أرانا في مدن على حدود الدنيا ننتظر أمطارا تبللنا فنتهلل كالأطفال عندما تتبلل وجهونا بقطرات مياه تبعثنا من جفاف الحياه التي نعيشها داخل الكنبة.. ولذا أنتظرك، وأخاف من لحظات اليأس والشقاء والملل .. أخاف أن تتملكنا فنذهب بلا رجعة ونندم على ما لم نفعله.. أفتقدك بشدة.. أفتقد نظرة عينيك وأنت تنظر لي في شغف وفضول، فأراها الآن فقط نظرات خوف وترقب وأحيانا شكوك غير مبررة.

أنت كما أنت.. جامح وشقي وبك كل خيالات الأطفال.. وأنا كما أنا.. مستعدة لبيع روحي لساحر مرتزق يقف على ناصية طريق من أجل تجربة جديدة.. أنا كما أنا وأنت كما أنت لا نمتلك شيئا، من الفضول جئنا وإلى الفضول نعود.. لا يوجد لدينا خطط ونعيش فقط من أجل لحظة سعادة مطلقة أو ضحكة صاخبة أو نظرة تأملية مدققة أو ثانية إنبهار بريئة.. ربما نعيش أجواء من التعاسة نظرا للحظة التاريخية المعينة.. ربما تعيش أنت لحظة مفترق الطرق السخيفة بكل ظلامها وكآبتها .. نعيش بعض الأجواء الفارغة من حقيقتنا.. لا أعرف الى متى نستمر في هذه الطرقات المحددة التي تثير مللنا من الحياه بأكملها ولكني أعرف حقيقة واحدة، وأعرف أنك تعرفها.. سننتهي عشرات المرات، سننتهي في غم أو في ملل أو في صمت أو في صخب... ولكننا في كل مرة سنعود لنبدأ من جديد..

2 comments:

احمد زيدان said...

احساس لغوى رائع و تباين فى حالة نفسيه شبيهه كحاله عامه موجوده فى كتير مننا
احييكى

إبـراهيم ... said...

أنا سعيد حقيقة بعثوري على مدونتك :)

جميلة كتابتك وبوحك